* حديث عائشة رضي الله عنها عن عبد الله بن شقيق قال [ سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى ؟ قالت لا إلا أن يجىء من مغيبه ] رواه مسلم.
قالوا فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب.
لكن ما ذكره أصحاب هذا القول من أدلة لا تقوى على دفع الأحاديث الصحيحة التى وردت فى فضلها مطلقة غير مقيدة بسبب والتى احتج بها جمهور العلماء أما عن حديث عائشة رضى الله عنها فروى البخاري في صحيحة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت [ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى وإنى لأسبحها] وعند مسلم عنها قالت [ كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله ] . قال الشوكانى: وقد جمع هذه الروايات بأن قولها كان يصلى الضحى أربعاً لا يدل على المداومة بل على مجرد الوقوع على ما صرح به أهل التحقيق من أن ذلك مدلول [ كان ] كما تقدم وإن خالف فى ذلك بعض أهل الأصول ولا يستلزم هذا الإثبات أنها رأته يصلى بجواز أن تكون روت ذلك عن طريق غيرها وقولها [ إلا أن يجىء من مغيبه ] يفيد يقيد ذلك المطلق بوقت المجىء من السفر وقولها [ ما رأيته يصلى سبحة الضحى ] نقلاً للرؤية ولا يستلزم أن لا يثبت لها ذلك بالرواية أو نقلا لما عدا الفعل المقيد بوقت القدوم من السفر. وغاية الأمر أنها أخبرت عما بلغ إليه علمها وغيرها من أكابر الصحابة أخبر بما يدل على المداومة وتأكد المشروعية ومن علم حجة على من لم يعلم لاسيما وذلك الوقت الذى تفعل فيه ليس من الأوقات التى تعتاد فيها الخلوة بالنساء (6).
وقال بعض العلماء أنها لا تستحب أصلاً وذهبت هذه الطائفة إلى أحاديث الترك ورجحتها من جهة صحة إسنادها وعمل الصحابة بموجبها ومن هذه الأحاديث:
* عن مورق قال قلت لابن عمر رضي الله عنهما أتصلى الضحى ؟ قال لا قلت فعمر ؟ قال لا قلت فأبو بكر ؟ قال لا قلت فالنبى صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا إخالة. رواه البخاري.
* وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى إلا يوما واحد (وإسناده صحيح)
* وعن عبد الرحمن بن أبى بكرة قال رأى أبو بكرة ناساً يصلون الضحى قال إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه.
لكن الحافظ فى الفتح قال مفندا هذا الاستدلال: وفى الجملة ليس فى أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحــى لأن نفيـه محمول على عدم رويته لا على عدم الوقوع فى نفس الأمر أو الذى نفاه سنة مخصوصة كما سيأتى نحوه فى الكلام على حديث عائشة قال عياض وغيرة: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها فى المساجد وصلاتها جماعة لا أنها مخالفة للسنة ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبه عن ابن مسعود أنه رأى قوماً يصلونها فأنكر عليهم وقال إن كان ولابد ففى بيوتكم.
وفى رأى آخر أنه يستحب فعلها تارة وتركها أخرى وحجة هؤلاء هذه الطائفة من الآثار.
* عن أبى سعيد رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها ] رواة الترمذى إلا أن هذا الحديث ضعيف لايقوى على قيام الحجة به(7).
* وعن عكرمة قال كان ابن عباس يصليها يوماً ويدعها عشرة أيام يعنى صلاة الضحى.
* وعن ابن عمر أنه كان لا يصلى الضحى فإذا أتى مسجد قباء صلى وكان يأتيه كل سبت.
* وعن منصور: كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ويصلون ويدعون يعنى صلاة الضحى.
* وعن سعيد بن جبير قال: إني لأدع صلاة الضحى وأنا أشتهيها مخافة أن أراها حتماً على.
* وقال مسروق كنا نقرأ في المسجد فنبقى بعد قيام ابن مسعود ثم نقوم فنصلى الضحى فبلغ ابن مسعود ذلك فقال: لم تحملون عباد الله ما لم يحملهم الله ؟ ! إن كنتم لابد فاعلين ففى بيوتكم. وكان أبو مجلز يصلى الضحى في منزله.
قال أصحاب هذا القول: وهذا أولى لئلا يتوهم متوهم وجوبها والمحافظة عليها أو كونها سنة راتبة ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: لو نشر لي أبواى ما تركتها فإنها كانت تصليها في البيت حيث لا يرها الناس.
لكن كل هذه الآثار التي استدل بها هؤلاء لا تتعارض مع قول الجمهور فى أنها سنة مستحبة من شاء ثوابها فليؤدها وإلا فلا تثريب عليه فى تركها والجمع بين هذه الآثار والأحاديث الصحيحة التى وردت فى فضلها غير مستبعد بل أولى ويؤكد قول الجمهور فى أنها سنة.
أما آخر الأقوال فتقول أنها بدعة روى ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب الهادى والقاسم وأبو طالب:
* روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر قال: إنها محدثة وإنها لمن أحسن ما أحدثوا. ومن وجه آخر عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون الضحى فسألناه عن صلاتهم فقال بدعة.
* وروى ابن أبى شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال بدعة ونعمت البدعة.
* وروى عبد الرازق فى المصنف عن سالم عن أبيه عبد الله ابن عمر قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها (يعنى صلاة الضحى) وما أحدث الناس شيئا أحب إلى منها (إسناده صحيح).
ولا مانع من أن نكرر رد الحافظ ابن حجر على أصحاب هذا القول حيث يقول في الفتح وفى الجملة ليس فى أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى لأن نفيه محمول على عدم رؤيته لا على الوقوع في نفس الأمر أو الذي نفاه سنة مخصوصة كما سيأتى نحوه في الكلام عن حديث عائشة قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها فى المساجد وصلاتها جماعة لا أنها مخالفة للسنة ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قوما يصلونها فأنكر عليهم وقال إن كان ولابد ففي بيوتكم.
بعد هذا العرض الموجز لأقوال العلماء يظهر لنا جلياً صحة ما ذهب إليه الجمهور وقوة دليلهم فى ذلك. قال الشوكانى رحمه الله: ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة بإثباتها قد بلغت مبلغاً لايقصر البعض منه عن اقتضاء الاستحباب وقد جمع الحاكم الأحاديث فى إثباتها فى جزء منفرد عن نحو عشرين نفسا من الصحابة وكذلك السيوطى صنف جزأ فى الأحاديث الواردة فى إثباتها وروى فيه عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونها منهم أبو سعيد الخدرى وقد روى ذلك عنه سعيد بن منصور وأحمد بن حنبل، وعائشة وقد روى ذلك عنها سعيد بن منصور وابن أبى شيبه، وأبو ذر وقد روى ذلك عنه ابن أبى شيبه، وعبد الله بن غالب وقد روى ذلك عنه أبو نعيم. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلونها فقال نعم كان منهم من يصلى ركعتين ومنهم من يصلى أربعا ومنهم من يمد إلى نصف النهار وأخرج سعيد بن منصور أيضاً فى سننه عن ابن عباس أنه قال طلبت صلاة الضحى فى القرآن فوجدتها ههنا [ يسبحن بالعشى والإشراق ] وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف والبيهقى فى الإيمان من وجه آخر عن ابن عباس أنه قال إن صلاة الضحى لفى القرآن وما يغوص عليها إلا غواص فى قوله تعالى [ فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ] وأخرج الأصبهانى فى الترغيب عن عون العقيلى فى قوله تعالى [ إنه كان للأوابين غفوراً ] قال: الذين يصلون صلاة الضحى.
وقتهــا
يبتدىء وقتها بارتفاع الشمس قدر رمح وينتهي حين الزوال ولكن المستحب أن تؤخر إلى أن ترتفع الشمس ويشتد الحر لما ثبت فى الحديث عن زيد بن أرقم قال خرج النبى صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال [ صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى ] رواه أحمد ومسلم (
. وعن عاصم بن ضمرة قال سألنا علياً عن تطوع النبى صلى الله عليه وسلم بالنهار فقال كان إذا صلى الفجر أمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا يعنى من المشرق مقدارها من صلاة العصر من هاهنا قبل المغرب قام فصلى ركعتين ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا يعنى من قبل المشرق مدارها من صلاة الظهر من هاهنا يعنى من قبل المغرب قام فصلى أربعا وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين ] رواة الخمسة إلا أبا داود.
وفيه دليل على استحباب أربع ركعات إذا زالت الشمس قال العراقى وهى غير الأربع التى هى سنة الظهر قبلها وسماها بعض العلماء بالضحوة الكبرى والأولى التى هى ركعتين عند ارتفاع الشمس قدر رمح بالضحوة الصغرى.
عدد ركعاتها
أقل ركعاتها اثنتان وأكثر ما ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات وأكثر مـا ثبــت من قوله اثنتا عشرة ركعة. فعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من العابدين ومن صلى ستا كفى ذلك اليوم ومن صلى ثمانيا كتبه الله من القانتين ومن صلى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة وما من يوم ولا ليلة إلا لله مَنُُّ يمن به على عباده صدقه وما منَّ الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره ] (9).
وذهب قوم منهم أبو جعفر الطبري وبه جزم الحليمى والرويانى من الشافعية إلى أنه لاحدّ لأكثرها وقال العراقي في شرح الترمذي : لم أرو عن أحد من الصحابة و التابعين أنه حصرها في اثنتى عشرة ركعة وكذا قال السيوطى. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلونها ؟ فقال نعم…. كان منهم من يصلى ركعتين ومنهم من يصلى أربعا ومنهم من يمد إلى نصف النهار. وعن إبراهيم النخعى أن رجلاً سأل الأسود بن يزيد كم أصلى الضحى؟ قال كما شئت وعن عائشة رضى الله عنها قالت [ كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله ] رواة أحمد ومسلم.
الهوامش والمصادر:
1- صحيح الترغيب المنذرى / الألبانى برقم 664
2- صحيح الترغيب برقم 671.
3- نيل الأوطار الشوكانى جـ3-4 ص 62.
4- صحيح الترغيب برقم 666.
5- حديث حسن الترغيب برقم 673.
6- نيل الأوطار - ص 63، جـ3-4.
7- ضعيف المشكاة 1320 وضعيف الترمذى 72. للشيخ الألبانى.
8- (الأوابين) جمع أواب وهو الراجع إلى الله تعالى من آب إذا رجع (ورمضت) أى احترقت من حر الرمضاء وهى شدة الحر ولا يكون ذلك إلا عند ارتفاع الشمس و(الفصال) جمع فصيل وهو ولد الناقة.
9- حديث حسن رواة الطبرانى فى الكبير (الترغيب برقم 674).