الإقتداء الكامل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وإن لم يدرك الحكمة، وهو يتمثل بقوله سبحانه وتعالى: [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] {الحشر:7}.
وقوله: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ].
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يحب الله عز وجل حبًا لا يُقَدر، ويعلم أن الطريق الطبيعي لحب الله هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم الاتباع المطلق.
فإن علم الحكمة فبها ونعمت، وإن لم يعلمها فالعمل هو العمل بنفس الحماسة ونفس الطاقة.
كثير من الناس يعرضون أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على عقولهم القاصرة، فإن وافقت موافقة من عقولهم فعلوها، وإن لم توافق عقولهم أو أهوائهم تركوها ونبذوها، بل قد يسخرون منها، أما أبو بكر فلم يكن من هذا النوع، أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، حتى لتشعر أنه لا يفرق بين فرض ونافلة، التصاق شديد بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبطريقته ومنهجه، إذا كنت تريد أن تصل إلى ما وصل إليه أبو بكر وأمثاله رضي الله عنهم فاعلم أن قدر السنة عندهم كان عظيمًا جدًا.
- مـا معنى السُّنة؟
ليس المقصود بالسنة النوافل التي كان يؤديها رسول الله صالمقصود من السنة أنها الطريقة، المنهاج، السبيل الذي كان يسلكه في حياته كلها.
السنة هي طريقته في السلم والحرب، في الأمن والخوف، في الصحة والمرض، في السفر والإقامة، في السياسة والاقتصاد، في الاجتماع، وفي المعاملات، في كل وجه من أوجه الحياة.
ابتليت الأمة الآن بمن يقللون من شأن السنة ويكتفون- كما زعموا- بأوامر القرآن، ويتركون توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه توجيه رجلٍ من الصالحين أو شيخ من الشيوخ، ونسوا أن له مقامًا لا يصل إليه أحد من البشر،ف هو يتلقى عن رب العزة، ويصف لك ما فيه خير الدنيا، وخير الآخرة.
وقد تنبأ رسول الله هذه الكارثة وهي التقليل من شأن السنة، فقد روى أبو داود والترمذي أن رسول الله قال: يُوشِكُ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ عَنِّي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ.
أي أنه سيكتفي بكتاب الله، وينكر السنة، وكلهم جاهل بكتاب الله، ولو قرأه لعلم ما فيه من آيات تخص اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا] {النساء:80}.
ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي حرم الله.
مشكلة خطيرة يقع فيها كثير من الناس إما بجهل، وإما بقصد، وتلك هي الطامة الكبرى.
فعندما ننظر إلى حياة الصديق رضي الله عنه تجد اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فاق كل اقتداء، تشعر به في أقواله، وفي أفعاله، وفي حركاته وسكناته، وبهذا بلغ المنازل.